منوعات

«طبيبة أشمون» ترفض مغادرة «النوبتجية» رغم وفاة والدتها بأزمة قلبية داخل المستشفى

في ليلة باردة خلال الفصل الشتوي من ليالي مستشفى أشمون العام، كان الهدوء يسود أروقة المستشفى إلا من أصوات الأجهزة الطبية وصدى خطوات الأطباء والممرضين الذين يهرولون لإنقاذ حياة المرضى. وبين هؤلاء كانت الطبيبة عائشة محمود محرم، أخصائية الأطفال، تمارس عملها كالمعتاد لكونها الطبيبة النوبتجية بالمستشفى، ولكن تلك الليلة لم تكن كسابقاتها بالنسبة لها، ففي الوقت الذي كانت تتابع حالة أحد الأطفال، جاءها خبر مؤلم بأن والدتها قد دخلت طوارئ المستشفى في حالة حرجة إثر أزمة قلبية، وبعد بساعات قليلة مرت كأيام ثقال، تم إبلاغها بأن والدتها قد رحلت عن الحياة.

الطبيبة الشابة كان بإمكانها أن تلقي سماعتها الطبية جانبًا، وتترك المستشفى مسرعة إلى والدتها لتلقي عليها نظرة الوداع الأخيرة، أن تجهش بالبكاء وتنسحب من نوبتها، خاصة أن المستشفى عرض عليها توفير بديل لها فورًا، لكن المفاجأة أنه لم تفعل وقررت استكمال النوبتجية وسط مرضاها.

وبكل ثبات، تماسكت الطبيبة عائشة، أبلغت أشقاءها ليأتوا لتسلم جثمان والدتها، ثم عادت إلى مرضاها الصغار. لم تترك النوبة، لم تتراجع عن واجبها، لم تسمح لألمها الشخصي أن يطغى على مسؤوليتها الإنسانية.

مشهد الطبيبة المكلومة وهي تشتكمل عملها، بينما قلبها يحترق حزنًا، لم يكن ليغيب عن أعين زملائها الذين رأوا في صمتها صلابة، وفي دموعها الخفية قوة.

وحين وصل الخبر إلى الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، لم يتمالك إلا أن يشيد بموقفها، واصفًا إياها بأنها مثال مشرف للوطنية والوفاء والإخلاص، مؤكدًا في بيان صحفي صادر عن الوزارة، أن مصر تفخر بأبنائها المخلصين أمثال تلك الطبيبة الشابة، الذين يضعون ضمائرهم فوق رؤوسهم

في اليوم التالي، ودعت الطبيبة والدتها إلى مثواها الأخير، لكن روحها بقيت في المستشفى، حيث استمرت في عملها كما كانت تفعل دائمًا، ربما كان الحزن يثقل قلبها، لكنه لم يمنعها من أداء رسالتها النبيلة.

عائشة محمود محرم، لم تكن مجرد طبيبة في مستشفى أشمون، بل كانت رمزًا للإنسانية، نموذجًا نادرًا للإخلاص، ودليلًا حيًا على أن هناك من يضع واجبه فوق ألمه، ومن يرى في مهنته رسالة تفوق مشاعره الشخصية. وفي كل مرة تسمع فيها ضحكة طفل تعافى، ربما تجد في ذلك عزاءً صامتًا، يذكرها بأن اختيارها

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى